حـــــــزن عـــــمـــيــــــق

حـــــــزن عـــــمـــيــــــق

من
يدرك قيمة الحياة يدرك بلا شك حقيقة الموت ، والعظيم فى الامر ان الموت هو
الثابت الذي لا ينكره احد ، وهو المآل الذي يخشاه الجميع حتى من يتمنوه

حتى
سيرة الموت اصبحنا نخشاها ولا نستطيع تحمل هذه السيرة بل وقلما نقرأ عنها
وعن كل ما يتعلق بها ، انها تثير فى القلب رهبة لقاء الله والمثول بين يديه
، انها النهاية التي لن يجدي بعدها القول ولا التمني ، لن تنجدني يومها "
لعلي اعمل صالحا " ، اكثر ما يرهبني من صور يوم القيامة هي صورة الفرار "
يوم يفر المرء من اخيه* وامه وابيه* وصاحبته وبنيه " ، صورة الفرار والمرور
على الصراط أكثر ما شغلني منذ طفولتي عندما استمعت الى شرائط عن الموت
والقبر وعن الصراط " من سلسلة الدار الاخرة وشغلنى الموت والقبر وضمة القبر
وجهنم والجنة وووووو وشغلتني أكثر هذه الكلاليب وهذه الصورة للعبد الذي
يحبو على الصراط وللعبد المؤمن الذي يجتازه كسرعة البرق

التأمل
فى الموت واستذكاره دائما لا يعني اننا " نكديين " او اننا يأسنا من
الحياة فآثرنا الموت عليها ، لكني دائما ما استذكر الموت وأتأمل حالي وقد
هجرنى الأهل والخلان وتبرأ مني الشيطان بعدما زين لي عملي فى الدنيا وقال
لي ما اورده القرءان الكريم فى قوله تعالى{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا
قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم
مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ
بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ }إبراهيم22

يتعجب اصدقائي دائما من كثرة ذكري للموت بل اتعجب انا ايضا من سيطرة الموت
على تفكيري فانا دائما ما احلم بان اموت قبل من احب فقدرتي على تحمل فراق
الاحبة ضعيفة هينة ، لا اتخيل كيف ساكون يوم موت اقربائي واصدقائي ودائما
ما ادعو فى سري ان يعجل الله يومي قبل يومهم فهو العالم بضعفي الخبير بوهني

وعلى الرغم من اني دائما لا يبدو على الحزن او التفكر لانى اكتم ذلك فى
قلبى وربنا وحده هو العالم بحالى كيف هو ودائما ما احتفظ بخصوصية مشاعري
لنفسي الا ان بعضا من الفضفضة لصديق مقرب جعلتني اتعجب عندما كنت احدثه عن
الموت واحساسي المتزايد اني ساموت فى سن صغيرة وان غاية ما اتمناه من
الحياة بل ربما كان هذا هو اعظم احلامي وطموحي ان يحسن الله خاتمتي والا
يتوفني الا وهو راضٍ عني وان يجعلني مع الذين انعم عليهم وان يجعل قبري
روضة من رياض الجنة ، ورغم انه اكثر من يلازمني الا انه تعجب وسألني : مالك يا محمد؟
والحقيقة انى لا اجد اجابة واضحة لدي فهو دائما ما يراني محبا للتبسم
مقبلا على الحياة منشغلا ببناء المستقبل وفي ذات الوقت احتفظ لنفسي ببعض
الشجون وبعض الحزن العميق الذي تسببه محاسبتي لنفسي على تقصيري فى حق الله ،
ثم اعود مُلحاً على الله ان يحسن خاتمتي

ولولا اني احب اهلي واشفق عليهم لحدثتهم عن كل ما يدور بداخلي من شعوري
بدنو اجلي ووجلي من الا اكون فى عداد الصالحين وان احشر مع من لا احب ،
ولصارحتهم بان موتي احب الي من جرح احدهم او وعكة تصيب اصغرهم ، ولصارحتهم
باني اتأمل وجوههم دائما وبداخلي أمل بان يديم الله علي هذه النعمة ،
واحيانا اتفكر ماذا لو تزوجت وانجبت وابتلاني الله بموت طفلي؟ واحيانا ابكي
وكأن لي طفل حقا وكأنه مات حقا ، احيانا اجد فى الموت دافعا قويا
للاستمرار فى الحياة والعمل ، واتذكر جيدا كلمة كان يكتبها احد اصدقائي على
اجندته الخاصة يقول فيها " الحياة فى سبيل الله أصعب من الموت فى سبيل
الله " والحقيقة انى فعلا كثيرا ما اجد ان المتمنين للشهادة فى سبيل الله
لا يقدرون على الحياة فى سبيل الله وهذا هو التناقض الذي نعاني منه جميعا
رغم اجتهادنا ويقيننا بان الموت آت لا محالة

عندما
كنت اسمع المؤذن وهو يردد الصيغة المعهودة للاعلان عن الوفاة ووقت الجنازة
:توفى الى رحمة الله تعالى ........والجنازة باذن الله من مسجد ... بعد
صلاة .....

كنت اتخيل انى اسمع اسمي واقول ماذا بقي لي الان؟ سيترحمون علي ! أجل.. لكن
ماذا سأفعل حين أُسأل .. من ربك وما دينك.. ! تلك الأسئلة البسيطة التي
يجيبها اخي الصغير بطلاقة ريما سأعجز وقتها عن الرد... اللهم عافنا

اتخيل والدتي ووالدي واخوتى واقاربي واصدقائي وقد سمعوا الخبر وبدأوا فى
الترحم ،وبعض الحوارات داخل بيوت الاقارب واتخيل كيف سيكون حالهم عليا
اتخيل بكائهم عليا
اتخيل كيف يكون حزنهم عليا

اتخيل الكثير والكثير ثم اعود الى الصمت... ثم الى البكاء .... ثم اعود وادرك ان الدنيا دار بلاء
.... ثم اعود واقول يا رب اخرجنى من هذه الدنيا سالما من وبالها وارحنى من الدنيا وهمومها الى الجنة ونعيمها
اللهم ارحم فى الدنيا غربتى وفى القبر وحشتى
اللهم اجعل كل حياتى طاعة خالصة لك

اللهم احسن خواتيمنا يارب

يا رب رحماك يا رب
يا رب سلم سلم
اللهم رحماك بقلبى

يا رب ان الهموم فى قلبى زادت عن الاحصاء
يا رب ارحم قلبى من الخوف والحزن